روايات شيقهرواية حطام فريدة

رواية حطام فريدة الفصل السابع

الفصل السابع
“وداع يا دنيا وداع على اللي باع ومكملشي، الحياة لو بيك أو من غيرك دي هاتمشي.”
كانت تلوح بيديها في الهواء وتتمايل بجسدها برشاقة وخفة وهى تدندن مع أصدقائها على كلمات الأغنية التي رغم بساطة كلماتها إلا أنها وصفت حالها بالتحديد.
أما هو فكان يجلس مع والديه وجدته على طاولة ليست ببعيدة عن موقعها فكان يشاهدها بهدوء وعلى وجهه علامات امتعاض وغضب مما تفعله ومن ذلك الفستان اللعين ذو اللون الأحمر الذى أبرز جمال جسدها ومنيحاته ببراعة..زفر للمرة الألف وهو يتابعها بعينيه التي تشبه الصقر في حدته وهى تتمايل بأريحية وابتسامة كبيرة على وجهها، استفاق من تأمله على لكزات والدته، فانحنى بجسده ناحيتها يحاول أن يسترق السمع لما تقوله بسبب ارتفاع صوت المكبر بطريقه مستفزة.
_ ما تقوم يابني ترقص مع أدهم بدل ما أنت قاعد متخشب كدة.
التوى جانب فمه بتهكم واضح قائلًا وهو يشير على فريدة بسخرية : وأرقص ليه ما كفاية فريدة هانم قايمة بالواجب وزيادة.
امتعض وجه والدته لتقول برجاء : خالد بالله عليك، مش ناقصين نكد، سيبها براحتها.
رفع كلتا يديه قائلًا : منا سايبها براحتها…
ثم اسطرد حديثه بشر : بس والله لأعلمها الأدب لما نروح، على المسخرة دي.
لاحظ ابتسامة والدته ونظراتها مصوبة في اتجاه ما، حول بصره هو الآخر وجدها تتبختر في مشيتها بجانب ذلك الفظ عمار، جز على أسنانه وهو يقوم من جلسته حتى يلحق بهما فوجد يد والده تعيقه ونظرات تحذيرية: خالد لو سمحت اهدى شوية، متبوظش فرحتها.
هتف بتهكم واضح على ملامحه وهو يميل عليه بجذعه العلوي ويقترب من أذنيه : ده أنا هاقتل فرحتها، مش هابوظها بس.
غادر القاعة و جاب المكان بعينيه الحادة باحثًا عنها، حتى وجدها أخيرًا تقف معه وهى تلتهم حلوى غزل البنات بسعادة وطفولة، اقترب منهما وهو يضع كلتا يديه في جيب بنطاله ووقف بطوله الفارع وجسده القوي ينظر بتحدٍ لعمار ثم قال : خدي البتاع اللي بتاكليه ده وادخلي جوه يالا.
تجاهلت حديثه ولهجته الآمرة لتقول لعمار بامتنان حقيقي : حقيقي شكرًا يا مارو، أنا كدة خلاص مش زعلانة ومبسوطة كمان.
تحركت أعين عمار بصعوبة عن أكثر شخص يبغضه، ونظر إليها بحب ليقول بنبرة هادئة : أنتي عارفة إن مفيش حد يشغلني عنك، بس دي حالة إنسانية وكان لازم اتصرف..
قطع حديثه يد خالد وهى تقبض بعنف على مرفقها ويجرها خلفه : متقربش ورانا عشان مزعلش أمك وأبوك عليك يا حيلتها.
حاولت الأخرى التملص منه ومن قبضته لتهدر بعنف : خالد اوعى أنت اتجننت، اوعى بقولك.
وصل بها لمكان جلوس عائلته وألقاها بعنف على أحد الكراسي فكانت يد جدتها تتلقاها بلهفة وهى ترمق خالد بقوة، فجلس الآخر بجوارها ثم وضع سلاحه الناري بوقاحة كبيرة على الطاولة ومع هدوء صوت الأغانى وصل صوته جيدًا لهم : وربي وما اعبد، إن ما عديت الليلة دي على خير، وقعدت زي الكرسي اللي هي قاعدة عليه هافرغ البتاع ده فيها وأخلص منها.
وقبل أن يبوخه والده كان عمار تقدم منهم وجذب أحد الكراسي وجلس بجانبهم وسط ترحاب كبير منهم، فكانت نظراته ترسل شرارت التحدي له، وكأنه يقول فريدة حقي أنا ولست أنت أيها البغيض، أما خالد فحاول ضبط انفاعلاته حتى لا يقوم بتفريغ سلاحه به أو إخراج كل غضبه فيه ويقتلع عينيه تلك التي تتحداه بقوة، لاحظ يديها التي تحاول أن تتحرك بسرعة على مرفقها تحاول تهدئته من ألمه الحاد بسبب قبضته القوية، أمعن النظر لدقيقة ثم دقيقتين ثم ثلاث،حتى التفت إليها وهو ينظر لها بصدمة قوية على ملامحه وعيناه تنتقل بينها وبين يداها وتلك الشامة التي تظهر بوضوح من تحت ذلك الفستان،أين كان عقله وهو يسمح لها بتلك” المسخرة” هذا المسمى الذي أطلقت عند رؤيته ليديها..انتبهت على نظراته لتهتف وهى تتحاشى النظر لعينيه : في حاجة إن شاء الله!..
اقترب منها وهو يجز بغيظ واضح على أسنانه : ده في حاجات، حاسبنا في البيت اهدي أنتي بس، هاتقعدي مكانك واياكي تقومي، هاقتلك صدقيني.
ارتعدت أوصالها من نبرته الغاضبة التي تحمل الشر بين طياتها، ولكنها أرسلت له ابتسامة باردة ونظرات حادة، ولكن في النهاية امتثلت لأمره، فهي تعرف مدى جنونه، وما سيحل بها إذا عاندته وقامت من مكانها، جلست على مضض وهى تتابع رقص أصدقائها بفرحة، فتنهدت بحسرة على فساد تلك الليلة التي خططت مليًا في إخراج ما لديها بها، ولكن مهلًا أيتها الغبية كنتِ متأكدة من فشل تلك الخطة بسبب عناد وغضب ذلك العنيف والغليظ والوقح ظلت ثانية أخرى تحاول في إيجاد لقب جديد له ينضم لقائمتها!!.

وصل بسيارته أمام منزله، ثم هبط منها متوجهًا بخطوات واسعة نحو شقة جدته الأولى، طرق الباب بعنف، فتحت له جدته بعد عدة دقائق قد نفذ صبره بهم، وجد تلك الابتسامة الباردة التي أقسم بداخله أنها الوحيدة التي تستطيع هياج غضبه ووصوله لعنان السماء، وقبل أن يتفوه بكلمة، كانت هي تسبقه بحديثها :_ خالد، عمار جوه بيتعشى معانا وهينام هنا كمان ..
خرجت سبة نابية من فمه، فاتسعت عيناها بصدمة وهتفت موبخة : يا قليل الأدب يا سافل، أنت نسيت نفسك يا واد أنا جدتك.
وقبل أن يتحدث ويحاول التبرير عما تفوه منه، كانت هى تسبقه بلهجتها الحاسمة وهى تشير للأعلى : على فوق يا قليل الأدب أنا هاقول لأبوك يريبك من جديد.
زفر بحنق ثم تحدث محاولًا تهدئة الوضع : يا تيتة هو أنا عيل صغير، تقولي لأبويا إيه بس!.
جذبت ياقة قميصه لأسفل فانحنى قليلًا وقامت بصفعة بخفة عدة مرات على إحدى وجنيته : أنت الظاهر فاكر نفسك كبرت عليا، امشي يا واد اطلع فوق ياقليل الأدب .
قامت بدفعه للخارج وأغلقت الباب في وجهه، فرفع أحد حاجبيه معترضًا على ما حدث، صعد الدرج وصل أمام شقته وجد أمامه والدته تهبط للأسفل، ابتسم بتهكم : رايحة فين يا ماما أنتي كمان.
عقدت حاجبيها وهتفت : نازلة تحت أنام مع ماما وفريده وعمار يطلع ينام هنا!.
قهقة عاليا فزدات من تجعيدة جبينها، فوضعت يديها على جبهته تتحسسه بقلق : خير يابني مالك.
أبعد يديها بضيق وتبدلت ملامحه حتى هتف بهمس يصل إلى مسامعها : كويس أنكوا فاهمين في الأصول والصح، أنا بدأت أشك فيكوا والله.
تخطاها وهو يرمقها بضيق، فهزت رأسها بأسف وقالت : الواد اتهبل ولا إيه!.

وقفت مع عمار في بلكون المنزل واستندا على حافة السور ينظران أمامهما والصمت سيد الموقف، حتى قطع عمار هذا الصمت بقوله : كنتي قمر في الفستان النهاردة.
ابتسمت بخجل وقالت وهي مازالت بصرها أمامها متعلق بلاشئ : شكرًا.
عاد وتحدث مجددًا : فريدة هو أنتي ده كله مش ناوية تديني فرصة!.
التفتت له وقالت متلعثمة بعض الشئ : عمار أنا، يعني..
فاجأها بقوله : لسه بتحبيه؟!.
نظرت أمامها مجددًا وتنهدت : أبقى بكدب لو قولت لأ ده هما أربع شهور بس اللى عدوا ، عمار …خالد ده حب الطفولة والمراهقة وكل وقت، مش سهل أنسى، بس الأكيد إن مبقتش زي الأول بجرى وراه، أنا هادفن حبه في قلبي واحدة واحدة لغاية ما يموت جوا.
لمع بريق الأمل لديه وقال : طيب إيه رأيك نتخطب مثلًا وأنتي هتنشغلي بيا وهتنسيه.
هزت رأسها بنفي لتقول موضحة بعقلانية : ده يبقى أكبر غلط، اليوم اللي هاحط دبلتك في إيدي هيبقى قلبي ده ملكك، غير كدة لا ياعمار هابقى بظلمك وأنت هتظلمني كمان!.
أشار على نفسه متعجبًا : أنا هاظلمك، إزاي بقى؟!.
هزت رأسها بإيجاب : لما تشك فيا كل لحظة والتانية لو خالد كلمني مثلًا!.
صمت لبرهة، ثم رمقها بإعجاب قائلًا : يمكن.
ابتسمت ونظرت أمامها، فعاد هو وتحدث بشئ من الضيق : والله أنتي خسارة في واحد زيه أصلًا، ده واحد همجي …
لم يكمل حديثه بسبب دلو من الماء سقط فوق رأسه على حين غرة، شهقت بصدمة قوية وهي ترفع عينيها بصعوبة بسبب شدة اندفاع المياه عليهما، فوجدته ينظر لهم من الأعلى وعلى وجهه ابتسامة سمجة!.
ليقول بصوت مرتفع نسبيًا : أوبس هو جه عليك يا عمار ده أنا كنت أقصد أرميه على كلب نتن في الشارع قارف أمي ، فقولت أربيه بطريقتي .
جزت على أسنانها بعنف وغادرت الغرفة متجهه إلى الأعلى وشرارات الغضب تتصاعد بداخلها، أما عمار فوقف مكانه ثابتًا ومازالت الصدمة تؤثر عليه بقوة.

وصلت لباب شقته ودفعته بقوه لتقف في منتصف الصالة قائلة بصوت مرتفع وغاضب : خاااالد.
خرج إليها من البلكون وهو يطفئ سيجارته قائلًا ببرود : نعم!.
اقتربت منه وهي تقول بحنق : نعم إيه يابارد ، أنت اتجننت عشان تعمل كده.
هز رأسه ببرود قائلًا : اديكي قولتي مجنون، فعادي يطلع مني كده٥.
زفرت بحنق، ثم أشارت بإصبع السبابة في وجهه : والله ياخالد لو ما بعدت عني، وشلتني من دماغك أنت حر.
وضع يده على صدره وهتف بتمثيل : يامي خفت أنا كدة…
صمت لبرهة، ثم أزال قناع البرود واحتل مكانه الغضب فتقدم منها وهو يقول : والله أنتي لو ما لميتى نفسك، وبعدتي عن الواد الملزق ده، لأوريكي النجوم فى عز الضهر، أنتي لسه مشوفتيش وشي التاني.
قالت بغضب : ولا يفرق معايا تهديدك ده.
عقدت ذراعيها أمامها لتقول بتهكم : إيه هتعاقبنى بإيه، هاتخطب البت اللي كانت معاك في الكافيه، طب والله أحسن دي حتى شبهك ومن نفس عينتك.
ابتسم فظهرت غمازته قائلًا : طب وأنتي مضايقة أوي كدة ليه وأنتي جايبة سيرتها، بالراحة على نفسك.
نظرت له بصدمة، فرفعت يديها للسماء قائلة بشئ من القهر : يارب خده، يارب.
غادرت الشقة بضيق بالغ، فوصل إلى مسامعها صوته : هياخدني شهيد متقلقيش.
تراجعت عن خطواتها، ألم اعتصر قلبها بقوه فوقفت تنظر لأعلى : يارب لأ، أنا مقصدش.
رجعت تكمل خطواتها وتهبط الدرج فعادت تقف وهى تقول : مش عشاني، عشان خالتي وجوزها وتيتة.

جلس أمام التلفاز بأريحية وابتسامة سعيدة تعلو ثغره، فقطع سعادته دخول عمار، رفع خالد أحد حاجبيه ثم قال بوقاحة : شايفك أخدت على البيت كأنه بيتك، داخل طالع براحتك .
جلس عمار على الأريكة بجانبه متجاهلًا وقاحته ليقول ببرود : عادي، بيت بنت عمى زي بيتي.
كادت أن تخرج من فمه قذائف لتوبخ ذلك المعتوه، ولكنه تراجع وحاول أن يتسم ببعض البرود، قلب في التلفاز بملل، حتى جذب عمار الريموت من يده وأغلق التلفاز تحت صدمة خالد من جرأته قائلًا : أنت عاوز إيه بالظبط من فريدة يا خالد؟!.
وقبل أن يتحدث خالد، كان هو يستكمل حديثه : عاوزها تفضل تجري وراك، عاوز ترضي غرورك بيها، عاوز تحس إن كل البنات بتعشقك، بس أنا عاوز أقولك إن كلهم غير فريدة، وفريدة غيرهم كلهم.
اقترب منه خالد ثم تحدث بغضب مكتوم : أنت أكتر واحد، عارف إني بعاملها غيرهم كلهم، أنا عمري ما تعديت حدودي معاها حتى بحبي ليها، عمري ما اديتها ريق حلو ورجعت سحبته منها، أنا عمري ما كنت بوشين معاها، هي بالذات اللي حقيقتي كلها قدامها، مبحاولش أجمل نفسي، أو أخلي نفسي شيخ السجادة مثلًا، وأنا من جوايا بلاوي، أنا قدامها أنا زي ما أنا ياعمار، ده الفرق اللي ما بينى وبينك.
هتف عمار بعدم فهم أو لنقل أنه تصنع ذلك : قصدك إيه؟!.
ابتسم خالد باستنكار : مش عليا ياعمار، أخبارك كلها عندي، أنت بتكلم بنات وعايش حياتك عادي، وأنا بردو كذلك، بس الفرق إن أنت قدامها قد إيه محترم، قد إيه خلوق، قد إيه بتخاف تجرحها، أنت بوشين وبتتلون، أما أنا حاجة واحدة، شخص واحد قدامها مبتغيرش شايفة فيا عيوبي قبل مميزاتي.
ابتسم عمار بتهكم ثم قال باستهجان : آه وده يديك الحق إنك تعمل اللي أنت عاوزه، وترجع تقول آه منا بحبها وهي بتحبني ومبكذبش عليها وهي عارفة عيوبي، دي تبقى متخلفة لو كانت هتفكر كدة.
هتفت بشراسة من خلفهما وهي تحمل أكواب العصير في يديها : أنتوا اللي تبقوا متخلفين بجد لو فكرتوا إن ممكن أفكر فيكوا يا شوية حيوانات…
قالت جملتها الأخيرة بصرخة عالية وألقت تلك الأكواب أرضًا لتتهشم تزامنا مع تهشم قلبها وتحوله إلى قطع حطام صغيرة من شده جرحهاا!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى